في زمن تتسارع فيه التحديات العالمية من فقر وأوبئة وتغير مناخي، يبرز بيل جيتس كمثال نادر بين أثرياء العالم في تبنيه لمسؤولية اجتماعية تتجاوز حدود الأرباح. فالرجل الذي تُقدر ثروته بنحو 168 مليار دولار وفقًا لمؤشر بلومبرج، لا يسعى فقط لتوسيع إمبراطوريته المالية، بل يُعيد تشكيل مفاهيم تبرعات الأثرياء حول العالم من خلال تحركات عملية جريئة.
أحدث هذه التحركات كان إعلانه عن خطة لمضاعفة حجم تبرعاته خلال العشرين عامًا القادمة، لتصل إلى 200 مليار دولار، وهو رقم لا يعكس فقط حجم ثروة بيل جيتس، بل يكشف عن فلسفة عميقة في تحويل الثروة إلى أدوات لحل المشكلات.
![]() |
بيل جيتس يضاعف تبرعاته الخارجية الي 200 مليار دولار |
تحوّل في مسار الثروة - من التراكم إلى التأثير
جاءت مبادرة بيل جيتس في سياق عالمي يُعاني من تراجع واضح في حجم الدعم الدولي للمساعدات الإنسانية، لا سيما من الدول الغنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي حين يختار العديد من أثرياء العالم التمسك بأصولهم، فإن جيتس يُصرح بوضوح: "لن أكون من أولئك الذين يُذكرون بعد وفاتهم بأنهم ماتوا وهم أغنياء."
هذه الرؤية تنبع من قناعة متجذّرة بأن الأموال يمكنها إحداث تغيير جوهري في حياة الملايين، خاصة في مجالات مثل صحة الأطفال، والتعليم، ومكافحة الأوبئة، وهي محاور رئيسية في نشاطات مؤسسة بيل وميليندا جيتس.
خطة لإنهاء المؤسسة وتوزيع الثروة
بعيدًا عن النمط التقليدي في العمل الخيري، أعلن جيتس أن مؤسسته العملاقة التي تأسست عام 2000 ستنهي عملها بحلول 2045، بعد أن تكون قد وزعت أغلب أصولها. هذا القرار الجريء يُسلط الضوء على فهم مختلف لدور المؤسسات الخيرية: ليس الاستمرار الأبدي، بل التدخل المكثف والمباشر في الزمن الحاضر.
وقد تجاوزت تبرعات المؤسسة حتى الآن حاجز 100 مليار دولار، وهو ما جعلها في طليعة المبادرات العالمية لمواجهة الأمراض وتحسين جودة الحياة في الدول النامية. ومع هذا، يعترف جيتس أن العمل الخيري – مهما كان ضخمًا – لا يمكنه وحده تعويض تراجع دعم الدول المانحة.
انتقادات حادة من بيل جيتس نحو إيلون ماسك
في حوار صحفي صريح، وجّه بيل جيتس انتقادات حادة للملياردير إيلون ماسك، متهمًا إياه بالتسبب بشكل غير مباشر في تقليص المساعدات الأمريكية الخارجية بعد إغلاقه بعض الهيئات الداعمة للتنمية. وقال جيتس: "من المحزن أن تكون صورة أغنى رجل في العالم مرتبطة بحرمان أطفال فقراء من المساعدة."
هذه الانتقادات تعكس خلافًا عميقًا في الرؤية بين اثنين من أثرياء العالم؛ حيث يركّز جيتس على الحلول الإنسانية بينما يُفضّل ماسك الابتكارات الفضائية والتقنيات المستقبلية. ورغم توقيع ماسك على "تعهد العطاء"، إلا أن تبرعاته الفعلية لم تتجاوز 1% من ثروته حسب فوربس، وهو ما يطرح تساؤلات عن صدقية هذا النوع من الالتزامات.
دعم شامل: من التبرعات إلى خدمات الرعاية
جانب آخر من رؤية بيل جيتس للعمل الخيري يتمثل في شموليته، إذ لا يكتفي بتقديم المال بل يشارك في صياغة السياسات ومتابعة التنفيذ، ويسعى لتوسيع مجالات التأثير لتشمل التعليم، المياه النظيفة، والتكنولوجيا في خدمة التنمية. كما دعمت المؤسسة برامج متخصصة لرعاية الأمهات والأطفال، ومبادرات لمواجهة تغير المناخ، في تناغم نادر بين التمويل والخبرة.
وفي هذا الإطار، يأتي تركيزه على استثمار جزء من أصول المؤسسة لتوسيع نشاطها، وضمان استدامة مواردها حتى موعد الإغلاق المقرر في 2045، وهو ما يجعل من مؤسسة جيتس نموذجًا غير تقليدي في مجال تبرعات الأثرياء.
Tags
منوعات