-->

كنوز المملكة المدفونة.. الكهوف السعودية وجهة جديدة لعشاق المغامرة

تمتلك المملكة العربية السعودية ثروات طبيعية مدهشة لا تزال قيد الاكتشاف، ومن بين هذه الكنوز ما يُعرف محليًا بـ"الدحول"، وهي كهوف ومغارات أرضية تنتشر على امتداد تكوين "أم رضمه"، الذي يمتد من شمال المملكة حتى تخوم الربع الخالي. هذه التكوينات الطبيعية الخلابة ليست مجرد تجاويف في الأرض، بل هي بوابات لعصور جيولوجية غابرة، وتشكيلات فريدة تسحر زوارها من أول وهلة.


تتميز هذه الكهوف بتنوع أشكالها، ومنها الكهوف الأنبوبية التي تشكلت بفعل الانفجارات البركانية منذ آلاف السنين، خصوصًا في مناطق الحرات مثل حرة خيبر التابعة لمنطقة المدينة المنورة. وتتمتع الكهوف في المملكة بتركيبة صخرية متفردة، تتخللها الصواعد والهوابط الكلسية التي نحتتها المياه على مدى العصور، وتحيط بها صفائح صخرية تخلق مشاهد بانورامية تأسر الأعين.

تراث طبيعي وأثري حي

ما يميز هذه الكهوف أيضًا هو احتواؤها على نقوش أثرية تعود لآلاف السنين، مما يعكس عمق التاريخ الإنساني في هذه المناطق. كما أن بعض الكهوف توفر بيئة طبيعية مثالية للحياة الفطرية، وتضم أنواعا متعددة من الخفافيش والطيور والثدييات، مما يجعلها من أهم البيئات الطبيعية المحمية في البلاد.

في منطقة الحدود الشمالية وحدها، تم اكتشاف أكثر من 542 كهفًا ودحلًا، وهو عدد هائل يعكس كثافة هذه التكوينات الطبيعية وأهميتها الجيولوجية. وهذه المنطقة تعد من أغنى المناطق بالكهوف التي تشكلت بفعل عوامل التعرية والنشاط البركاني والمناخي عبر آلاف السنين.

انطلاقة سياحية مدروسة

بدأت هيئة السياحة والتراث الوطني بالتعاون مع هيئة المساحة الجيولوجية في تفعيل مفهوم "سياحة الكهوف"، من خلال اختيار مجموعة من الكهوف المميزة مثل غار أم جرسان في حرة خيبر، ودحل الطحالب، وكهف الفندق، وكهف المربع في منطقة الصمان، وكهف العقرب الأسود في الحدود الشمالية.

ووضعت آلية تنظيمية تسمح بزيارة هذه الكهوف تحت إشراف منظم رحلات معتمد ومرشد سياحي مؤهل لضمان سلامة الزائر والحفاظ على بيئة الكهف.

وأطلقت الهيئة العامة للسياحة برنامج "السياحة الجيولوجية" بالتعاون مع عدد من الجهات المختصة، بهدف تنويع المنتج السياحي وتنمية نمط جديد من السياحة التي تراعي الحفاظ على المعالم الجيولوجية وتوفير فرص عمل وتنمية مجتمعية للمناطق المجاورة.

تدريب وتطوير واستكشافات

ضمن هذا التوجه، نُظمت برامج تدريبية متخصصة لإعداد مرشدين سياحيين في مجال سياحة الكهوف، استفاد منها حتى الآن 30 مرشدًا ومرشدة. وقد تم التركيز في هذه الدورات على أساليب التعامل مع الزوار، والمحافظة على الكهوف كمورد سياحي وطني نادر.

ومن جهة أخرى، تواصل هيئة المساحة الجيولوجية السعودية جهودها منذ عام 2000م في دراسة واستكشاف الكهوف، حيث أصدرت تقارير وكتب متخصصة أبرزها كتاب "الكهوف الصحراوية في المملكة العربية السعودية". وتعتبر هذه الكهوف مصدرًا غنيًا لفهم المناخ القديم والعمليات السطحية، ويمكن أن تسهم في أبحاث تغير المناخ.

مغامرات تحت الأرض

اهتمام المستكشفين بالكهوف لم يكن وليد اللحظة، فالسكان المحليون عرفوا قيمتها منذ قرون، إذ كانت ملاذًا من حرارة الصحراء وعواصفها. أما اليوم، فقد أصبحت هذه الفجوات الأرضية وجهة مفضلة لعشاق المغامرة والتحدي، حيث تجذبهم البيئة المظلمة والغريبة التي تختلف تمامًا عن العالم الخارجي، إضافة إلى الرغبة في اكتشاف أماكن لم تطأها قدم إنسان من قبل.

وتتزايد شهرة هذه الكهوف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال الصور ومقاطع الفيديو التي توثق جمالها المذهل، مما يعزز من قيمتها السياحية محليًا ودوليًا. وتجدر الإشارة إلى أن هناك أكثر من 5000 كهف مجهز للسياح حول العالم، يزورها سنويًا أكثر من 250 مليون سائح، ما يدل على الإمكانات الهائلة التي يمكن للمملكة استثمارها في هذا المجال.

كهف أبو الوعول.. جوهرة حرة خيبر

من بين أشهر الكهوف المكتشفة حديثًا في حرة خيبر، يبرز "كهف أبو الوعول"، والذي سمي بهذا الاسم بسبب العثور على هياكل عظمية لعدد كبير من الوعول. يُعد هذا الكهف أطول كهف بازالتي في المملكة، حيث يصل طوله إلى نحو 5 كيلومترات. ويُعد وجهة مثالية لمحبي المغامرات والباحثين، لما يحتويه من تكوينات جيولوجية نادرة تشكلت بفعل الحمم البركانية قبل آلاف السنين.

إقبال السياح المحليين والدوليين على كهف أبو الوعول وحرة خيبر بشكل عام يعكس تطور وعي المجتمع بهذا النوع من السياحة النوعية، ويبرهن على أن الكهوف السعودية أصبحت بالفعل من أبرز عناصر الجذب في خارطة السياحة الجيولوجية في المملكة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم